ونحن لن نملك بيتاً ..
كُفّ يد السؤال ،
اقضم رغيف وحدتك ..
في البيت المقابل شجارٌ ، يتراءى لك حفلةً صاخبة ..
في السيّارة القريبة رجلٌ ينفث دخان تنهيدته ، وتظنّه يقبّل حبيبته ..
في الكرسي بناصية الشارع طفلٌ يستند إلى ظلّه ، وتراه يغفو على صدر أمّه !
كلِّ الناس وحيدة ،
كلِّ الناس بائسةٌ ويائسةٌ ومحبطة !
وحدنا نملك خريطة العودة إلى مدن البياض ..
نرسم بيتاً ..
نتّخذُ أصدقاءَ ..
ونعيش الحياة كما نريد !
* * *
صباحكَ مدينةٌ جمعتنا ..
شمسٌ حدّقت بكلينا ..
صباحكَ الهواء الزاجل نُحمّله أنفاسنا ..
الأماكن ذاتها تحملها ذكرياتنا ..
الإشارات المرورية نتزاحمُ أمامها ..
المشاعر المارّة تتزاحم فينا !
صباحكَ سماء مدينتكَ الكريمة جدّاً ،
وصباحي طيورها الّتي نامت مع صوتك ..
واستيقظت الآن !
وسادتك الّتي لم تزل دافئةً بعد أنفاسك ..
وداعتك الّتي صحت باكراً ،
وجنونك الّذي لم يصحُ بعد !
صباحي غمزة الهزيمة في تذاكر السفر ..
وغمّازة الحنين في مطارات الرجوع !
رحلة الإياب ..
وصوتك المسافر بي حين يعلو : يا مجنونة ..
وينخفض عند : أحبّك !
صباحي حبّك ..
حين من زوّادة العمر تنفد الصباحات !
أعوّد نفسي كلّ ليلةٍ أن أنام دون أن أبحث عن صوتك ..
ردحذفلم أعد أبحث عنه ..
ولكنّي لم أعد أنام كذلك !
في اللحظات الّتي أحتاجك فيها ..
ردحذفيخيّل لي أنّك قريب ،
تحتاجني أكثر !
أنّ هاتفي يرنّ ..
أنّ صوتك يبكي ،
فـ أبكي معك !
هاربةٌ من العتب ،
ردحذف... من الغضب
من كلّ مايكون بين اثنين، ولا يؤدّي إلى فراقهما ..
ولكنّه بيننا، يفعل !
جادّةٌ في البحثِ عن جادّةٍ أخرى ..
ألتقيك فيها، دون أن تمتدّ أصابع صوتك لتغرز أظافرها في روحي المعلّقة بك ..
وتؤذي صورتك الحبيبة ..!
لاهثةٌ أطرق الأبواب ..
علَّ واحداً منها يبشّرني بقلبك الّذي أحببت أوّل مرّة !
ماضيةٌ لأحبّك بطريقةٍ أخرى ،
أحتجّ فيها ككلّ العاشقات ..
أرفض ,
أنفعل ,
أهجر ،
وأعود ..
دونَ أن أخاف على هذا الحبِّ أن ينتهي !
لاجئةٌ إلى صدر الكتابة ..
لمساحةٍ بيضاءَ لا تخلق بيننا مايخلقه الكلام ..!
للصراخِ في وجه ورقةٍ لا تعرفني ،
هرباً من البكاء على حائط صدرك !
حافيةٌ أمضي ..
يُدميني الشوك ، ويخيفني الخصام ..
وابتسامةٌ توجع فمي ..
وَ .... اِعتراف :
أبداً لم يُؤلمني أن تُحبّني بطريقتك ،
فقط ، آلمتني الطريقة الّتي أحببتك بها !
لا عطرَ في الدنيا ينفثُ فيها روحك ..
ردحذفوسادتك، تلك الّتي لم تحتضن رأسك منذ سنوات ..
لم تعد تضخُّ لرئتيها رائحتك !
يخنُقها غبارها،
وتخنقني فكرة أنّ الغبار هو رائحتك الآن !
امدُد يدكَ ..
امدُد يدكَ ودُلَّها إليها !
أنا لا أملكُ أصابعي لأفتح أزرارَ صدرها المُغلق وانفث فيه اسم الله، أو أرْتق ثوب الفرح وأُلبسَها إياه،
ولا صوتي لأصرخَ بالكون حولي "إلا أمّي" !!
أنا بالأصلِ لا أملكُ إلا هيْ ..!
ولا أستطيع أمام ضيقها إلا أن أتكوّر في زاوية ضعفي، أعلّق عينيّ مسبحةً لاستغفار شفتيها، روحي منديلاً لعرق الصبر الّذي سالَ من عينيها ،
وأرفعُ يديّ القصيرة .. فلا أطول السماء !
أنا بلا جدوى أمام حُزنها يا أبي ..
أنا العجز وقلّة الحيلة، وهي الّتي أصلح الله بها كلّ ما ارتكبهُ العمر، وأقام شأني ..
هي النعمة التي جاوَزت كلّ ابتلاء ..
الأخت الطيّبة ,
الصديقة النبيلة ,
والأُمّ حتّى نفادْ الذات .!
تحيكُ كلَّ صباحٍ معطفاً جديداً تدثّرني به عن حمّى الغياب،
تتلو آيات الذِكر، ثمَّ تمسح على جسدي وترسلني للنهار !
قُدسيّةُ العاطفة، ملائكيّةُ الرحمة، زمزميّةُ الطُهر ..
تقصّ عليّ روحها كلّ مساء، تغمض جفنيّ عن ظلام الحياة، وترسلني للنوم !
حوّاء الأولى، مريم النقيّة، آسية الصبور ..
المؤمنةُ جدّاًُ الـ أعراسها غفران، ومصائبها امتحان ..
المعلّق قلبها بالله، المسلِّمة لقدر فقدك، المستسلمة لناره ،!
تفرشكَ في ذاكرتها سجّادةً تُكِبُّ عليها كلّ ليلة وِتراً ..
تسيلُ في ثوبِ صلاتها الطاهر، يتدفقُ من جسدها نورٌ مالحٌ وفضّة !
يتصعّد من روحها سلّماً، وأطفالاً يتراكضون من فمها صوبَ السماء !
الأرملة، اليتيمة ..
لو كنت أمّها .. لوسّدتها يدي، هدهدت يُتمها، وخبّأتها في قلبي ..
لعلّقت تنهيداتها بأرجل العصافير وأطلقتُ أسراباً محبوسةً في صدرها ..
لو كنت أمّها، لـ كُنتُ كما هي الآن !
ولكنّني لن أكون،
سوى تفاهة العمر الّتي لا تكفي لأن تُدرك برِّها ..
ضِيق اليدِّ الّتي لا تتّسع لرضا روحك القادمة في ثُلثيّ الليل توشوِشُني العناية بها !
لن أكون سوى نُطفة المطر الّتي زرعها الله في الأرض الطيّبة، فكانت فضيلتها أنّها بعضكما ..
وسوءتها أنّها لم تكونكما بالكليّة !
أنا الـ كُنتُ أُحبّكَ ، وأُحبّها ..
أصبحت أحبكما وأخافُ عليها ،
بشكلٍ كبيرٍ يا أبي ..
صلِّ لأن يشرح الله صدرها , وامدُد يدك ..
أمسك بيدها ..
سكِّن روحها التائهة ،
اغسل قلبها الكمِد ،
وصُبَّ الفجر في ليلها الأرمل !
ثم أخبرها أنّي في الحياةِ الآخرةِ سأطلبُ الله أن أكونَ أُمّها ..!
إبداع ويسلمو الأيادي
ردحذف