الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

آخر الأخبار عني يا صديقْ
لم يزل صدقي متاهاتي التي تستنزف العمر الشفيقْ
مبدأي في الأرضِ إحساسي ..
وإحساسي نقيضٌ موغِلٌ في السُّكْرِ ..
لا أصحو على ما جدَّ من بؤسي لديه
...
ولا أفيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
لم يزل في الروحِ نحَّاتانِ من وجْدٍ .. وضيقْ
لم يزل بحري الذي أغرقتُ فيه الصمت مخنوقاً بتذكار المضيقْ
لم يزل دهري الذي أخشاه نخاساً ..
وأحلامي رقيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
نمتُ قبل الأمس محموماً ..
ولم يحدث ، طوال العمر ، أني دون عينيها .. أفيقْ !
قاءني صمتي ..
وجاع الجوع في جسمي ..
وراحت آكلاتُ الجلد تستلقي
على تلك الحروقْ
آخر الأخبار عني يا صديقْ
هاتفتني قبل أسبوعٍ فتاةٌ تدَّعي
أني على وصلٍ بها ..
"ربما كانت هيَ !
ربما أني نسيتُ النبرة الحسناء
والصوت الرقيقْ !"
قلَّبتني فوق شكِّي نصف أسبوعٍ
ولم ترجعْ ..
وألقتني على الأمل المعرَّى كالغريقْ
حلم بحارٍ بكف الرملِ مغشياً عليهِ
يسفُّ أصدافاً ..
ويهذي ..
ذات ملحٍ .. أستفيقْ !
كان حولي كبريائي ..
بضع أشلاءٍ ..
وأصداءٌ ..
وبروازٌ عتيقْ !.
آخر الأخبار عني يا صديقْ
جابني الحزن بلاداً ..
وجسوراً .. وبيوتاً ..
وجحوراً .. وشقوقْ !
سائحاً في الروح وحده ..
لم أجرِّب كيف أستقبل حزناً
جاء من دون رفيقْ !
في زقاق الصبح أمشي
مثل طعم الفقر في حلق الطريقْ
أبلع الأوجاع ريقاً بعد ريقْ
أقتفي الشمس التي تنحلُّ ..
أرميها ..
فتهوي في يدي الرعناء ..
مصباحاً له بؤس البريقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
أصبح الشعر ارتجافاتٍ من العهد الصفيقْ !
قطعةً من كهرمان العمر ولَّتْ
عقدُ هيفاءٍ .. تخلَّتْ
وجه طفلٍ طاعنٍ في البؤسِ ..
في ثوبٍ أنيقْ !
لم يعد عندي مراجيحٌ له ..
لم يعد في كفي العجفاء إلا إصبعاً يقتات من جرحي العميقْ
صرتُ ألقيه بجوف الدفتر
المهجور أياماً .. فلا يدري ..
أماسورٌ خيالي .. أم طليقْ !
آه .. هذا الطفل أعياني ..
ولم يكبر ..
ولم يفهم ..
ولم يفتح لأحلامي سوى نصف الطريقْ
بعته حتى أنامْ ..
واشتراه العابر المخدوع من حولي ..
بقرصي فاليومٍ للنوم ..
للصدغِ الشقيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
راودتني النفس عن ألبومها المخبوء في الدرجِ العميقْ
كان ليلاً ناعباً بالدمعِ مشقوق اللسانْ
مصَّني .. كالأفعوانْ !
أفرغ التذكار سماً في العروقْ
صورةٌ أخرى ،
وما خانت وفاء العهد عند الله منها .. للشروقْ
الجبين القاهر الغلاَّبُ ..
والخدُّ الموشَّى بالبريقْ
صورةٌ أخرى ،
أرتمي في بوح عينيها
ويعدو في حنيني ..
مهرجانٌ من عقيقْ
صورةٌ أخرى ،
وأخرى ،
ثم يبدو العاشق الليليُّ
مقتولاً على ذكرى عشيقْ
آخر الألبوم يطويني ..
وتلك النظرة النجلاء ترميني ..
وتلقيني على جمري العتيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
أشتهي يوماً ..
صباحاً ناعماً في الحزن ..
مخبوزاً على تنور عينيها البعيدْ
أشتهي يوماً ..
لعاب النوم في فيها ..
وذاك البن يذكي روحها البيضاء في الكوب الوحيدْ
أشتهي ..
تاريخنا في الحب ..
لا عتبى تنافي طعمه الأشهى ..
ولا ذكرى تعيقْ
أشتهي ..
تحريفنا في اليوم ..
لا قيدٌ ..
ولا عُرفٌ ..
ولا قانون في الدنيا .. ولا عهدٌ وثيقْ
أشتهي ..
كلْماتنا الصغرى ..
وتلك اللكنة العوجاء .. والحرف الرقيقْ
أشتهي
أسلوبنا العفْويَّ
في التدليل ..
والتزوير في الأسماءِ ..
والأشياءِ ..
حتى .. نبلغ المعنى الدقيقْ !
آخر الأخبار عني يا صديقْ
صار صوتي كائناً من صرخةٍ شوهاء
جاءت .. كالنقيقْ !
ضفدع الحزن أنا !..
مستنقعي وهمي ..
وتحتي ..
طحلبُ الدنيا .. يضيقْ !
كلما أوغلتُ في الإيمان عاد الشك يغويني ..
طريقاً في طريقْ
كلما قدَّمتُ للأوطان قرباناً
تراءى داخلي منفى .. وأغراني رفيقْ !
منذ أن راحت جراح الغيب تسري
في دمي ..
من ذلك اللوح العريقْ
منذ أن أيقنت أن الرغبة الصعلوكة الحمقاء
ميلادي ..
ومشواري ..
وإيقاعي الشقيقْ
لم أفكر أيَّ ثوبٍ سوف يرفو كل عُريي ..
كان بحثي يا صديقْ ..
عن بكاءاتٍ تليقْ !


محمد حسن علوان
أخر الاخبار عنى يا صديقى

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

محاولاتٌ لقتل امرأةٍ لا تُقْتَل

وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..
ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْتْ
وعدتُكِ أن لا أعودَ...
وعُدْتْ...
وأن لا أموتَ اشتياقاً
ومُتّْ
وعدتُ مراراً
وقررتُ أن أستقيلَ مراراً
ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ...
2
وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي..
فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟
أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ..
أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي انتحرتْ
وعدتُكِ..
أن لا أكونَ ضعيفاً... وكُنتْ..
وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً..
وقُلتْ...
وعدتُ بأَنْ لا ...
وأَنْ لا..
وأَنْ لا ...
وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ...
3
وَعَدْتُكِ..
أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حين يمرُّ أمامي
وحين تدفَّقَ كالليل فوق الرصيفِ..
صَرَخْتْ..
وعدتُكِ..
أن أتجاهَلَ عَيْنَيكِ ، مهما دعاني الحنينْ
وحينَ رأيتُهُما تُمطرانِ نجوماً...
شَهَقْتْ...
وعدتُكِ..
أنْ لا أوجِّهَ أيَّ رسالة حبٍ إليكِ..
ولكنني – رغم أنفي – كتبتْ
وعَدْتُكِ..
أن لا أكونَ بأيِ مكانٍ تكونينَ فيهِ..
وحين عرفتُ بأنكِ مدعوةٌ للعشاءِ..
ذهبتْ..
وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ..
كيفَ؟
وأينَ؟
وفي أيِّ يومٍ تُراني وَعَدْتْ؟
لقد كنتُ أكْذِبُ من شِدَّة الصِدْقِ،
والحمدُ لله أني كَذَبْتْ....
4
وَعَدْتُ..
بكل بُرُودٍ.. وكُلِّ غَبَاءِ
بإحراق كُلّ الجسور ورائي
وقرّرتُ بالسِّرِ، قَتْلَ جميع النساءِ
وأعلنتُ حربي عليكِ.
وحينَ رفعتُ السلاحَ على ناهديْكِ
انْهَزَمتْ..
وحين رأيتُ يَدَيْكِ المُسالمْتينِ..
اختلجتْ..
وَعَدْتُ بأنْ لا .. وأنْ لا .. وأنْ لا ..
وكانت جميعُ وعودي
دُخَاناً ، وبعثرتُهُ في الهواءِ.
5
وَغَدْتُكِ..
أن لا أُتَلْفِنَ ليلاً إليكِ
وأنْ لا أفكّرَ فيكِ، إذا تمرضينْ
وأنْ لا أخافَ عليكْ
وأن لا أقدَّمَ ورداً...
وأن لا أبُوسَ يَدَيْكْ..
وَتَلْفَنْتُ ليلاً.. على الرغم منّي..
وأرسلتُ ورداً.. على الرغم منّي..
وبِسْتُكِ من بين عينيْكِ، حتى شبِعتْ
وعدتُ بأنْ لا.. وأنْ لا .. وأنْ لا..
وحين اكتشفتُ غبائي ضحكتْ...
6
وَعَدْتُ...
بذبحِكِ خمسينَ مَرَّهْ..
وحين رأيتُ الدماءَ تُغطّي ثيابي
تأكَّدتُ أنّي الذي قد ذُبِحْتْ..
فلا تأخذيني على مَحْمَلِ الجَدِّ..
مهما غضبتُ.. ومهما انْفَعَلْتْ..
ومهما اشْتَعَلتُ.. ومهما انْطَفَأْتْ..
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصِدْقِ
والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...
7
وعدتُكِ.. أن أحسِمَ الأمرَ فوْراً..
وحين رأيتُ الدموعَ تُهَرْهِرُ من مقلتيكِ..
ارتبكْتْ..
وحين رأيتُ الحقائبَ في الأرضِ،
أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَهْ
فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القبيلَهْ..
وأنتِ القصيدةُ قبلَ التكوُّنِ،
أنتِ الدفاترُ.. أنتِ المشاويرُ.. أنت الطفولَهْ..
وأنتِ نشيدُ الأناشيدِ..
أنتِ المزاميرُ..
أنتِ المُضِيئةُ..
أنتِ الرَسُولَهْ...
8
وَعَدْتُ..
بإلغاء عينيْكِ من دفتر الذكرياتِ
ولم أكُ أعلمُ أنّي سأُلغي حياتي
ولم أكُ أعلمُ أنِك..
- رغمَ الخلافِ الصغيرِ – أنا..
وأنّي أنتْ..
وَعَدْتُكِ أن لا أُحبّكِ...
- يا للحماقةِ -
ماذا بنفسي فعلتْ؟
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،
والحمدُ لله أنّي كَذَبتْ...
9
وَعَدْتُكِ..
أنْ لا أكونَ هنا بعد خمس دقائقْ..
ولكنْ.. إلى أين أذهبُ؟
إنَّ الشوارعَ مغسولةٌ بالمَطَرْ..
إلى أينَ أدخُلُ؟
إن مقاهي المدينة مسكونةٌ بالضَجَرْ..
إلى أينَ أُبْحِرُ وحدي؟
وأنتِ البحارُ..
وأنتِ القلوعُ..
وأنتِ السَفَرْ..
فهل ممكنٌ..
أن أظلَّ لعشر دقائقَ أخرى
لحين انقطاع المَطَرْ؟
أكيدٌ بأنّي سأرحلُ بعد رحيل الغُيُومِ
وبعد هدوء الرياحْ..
وإلا..
سأنزلُ ضيفاً عليكِ
إلى أن يجيءَ الصباحْ....
*
10
وعدتُكِ..
أن لا أحبَّكِ، مثلَ المجانين، في المرَّة الثانيَهْ
وأن لا أُهاجمَ مثلَ العصافيرِ..
أشجارَ تُفّاحكِ العاليَهْ..
وأن لا أُمَشّطَ شَعْرَكِ – حين تنامينَ –
يا قطّتي الغاليَهْ..
وعدتُكِ، أن لا أُضيعَ بقيّة عقلي
إذا ما سقطتِ على جسدي نَجْمةً حافيَهْ
وعدتُ بكبْح جماح جُنوني
ويُسْعدني أنني لا أزالُ
شديدَ التطرُّفِ حين أُحِبُّ...
تماماً، كما كنتُ في المرّة الماضيَهْ..
11
وَعَدْتُكِ..
أن لا أُطَارحَكِ الحبَّ، طيلةَ عامْ
وأنْ لا أخبئَ وجهي..
بغابات شَعْرِكِ طيلةَ عامْ..
وأن لا أصيد المحارَ بشُطآن عينيكِ طيلةَ عامْ..
فكيف أقولُ كلاماً سخيفاً كهذا الكلامْ؟
وعيناكِ داري.. ودارُ السَلامْ.
وكيف سمحتُ لنفسي بجرح شعور الرخامْ؟
وبيني وبينكِ..
خبزٌ.. وملحٌ..
وسَكْبُ نبيذٍ.. وشَدْوُ حَمَامْ..
وأنتِ البدايةُ في كلّ شيءٍ..
ومِسْكُ الختامْ..
12
وعدتُكِ..
أنْ لا أعودَ .. وعُدْتْ..
وأنْ لا أموتَ اشتياقاً..
ومُتّ..
وعدتُ بأشياءَ أكبرَ منّي
فماذا بنفسي فعلتْ؟
لقد كنتُ أكذبُ من شدّة الصدقِ،
والحمدُ للهِ أنّي كذبتْ....
نزار قبانى

لا تحبينى

هذا .. الهوى ما عاد يغرينيَ ! فلتستريحيِ .. ولترُيحينيِ
إن كان حبكِ .. في تقلبه ما قد رأيتُ .. فلا تُحبينيِ
حبي . . هو الدنيا بأجمعها أما هواك فليس يعنيني
أحزانيَ الصغرى .. تعانقنيَ وتزورنيَ ... أن لم تزوريني
ما همني .. ما تشعرين به إن أفتكاري فيكِ يكفيني
فالحبُ . وهمٍ في خواطرنا كالعطر , في بال البساتين
عيناكِ . من حزني خلقتُهما ما أنتِ ؟ ما عيناكِ ؟ من دوني
فمُكِ الصغيرً ... أدرتهُ بيدي وزرعتهُ أزهار ليمون
حتى جمالُك , ليس يذهلني إن غاب من حينٍ إلى حين
فالشوقُ يفتحُ ألف نافذةٍ خضراء ... عن عينيكِ تغنينيَ
لا فرق عنديَ يا معذبتيِ أحببتنيِ ، أم لم تُحبينيِ
أنتِ أستريحيِ ... من هواي أنا لكن سألتكِ ... لا ترُيحني****نزار قبانى****

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

نهر الاحزان

عيناكِ كنهري أحـزانِ
نهري موسيقى.. حملاني
لوراءِ، وراءِ الأزمـانِ
نهرَي موسيقى قد ضاعا
سيّدتي.. ثمَّ أضاعـاني
الدمعُ الأسودُ فوقهما
يتساقطُ أنغامَ بيـانِ
عيناكِ وتبغي وكحولي
والقدحُ العاشرُ أعماني
وأنا في المقعدِ محتـرقٌ
نيراني تأكـلُ نيـراني
أأقول أحبّكِ يا قمري؟
آهٍ لـو كانَ بإمكـاني
فأنا لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ وأحـزاني
سفني في المرفأ باكيـةٌ
تتمزّقُ فوقَ الخلجـانِ
ومصيري الأصفرُ حطّمني
حطّـمَ في صدري إيماني
أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟
يا ظـلَّ الله بأجفـاني
يا صيفي الأخضرَ ياشمسي
يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني
هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا
أحلى من عودةِ نيسانِ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني
يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجـداني
إني لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ ..و أحزاني
أأقـولُ أحبكِ يا قمـري؟
آهٍ لـو كـان بإمكـاني
فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعـني دربي.. ضيّعَـني
إسمي.. ضيَّعَـني عنـواني
تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ
إنـي نسيـانُ النسيـانِ
إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو
جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ
ماذا أعطيـكِ؟ أجيبيـني
قلقـي؟ إلحادي؟ غثيـاني
ماذا أعطيـكِ سـوى قدرٍ
يرقـصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألـفُ أحبّكِ.. فابتعدي
عنّي.. عن نـاري ودُخاني
فأنا لا أمـلكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ... وأحـزاني
نزار قبانى